ادعمنا

ماهية الجرائم ضد الإنسانية - Crimes against humanity

لقد شهدت البشرية منذ فجرها الأول صورا لأبشع الجرائم والانتهاكات لقواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ولعل من أخطر هذه الجرائم الدولية وأبشعها على الإطلاق هي "جرائم ضد الإنسانية"، والتي بدورها أخذت نصيبا كبيرا من اهتمام المجتمع الدولي منذ القديم، نتيجة للحربيين العالميين الأولى والثانية اللتان عاشهما العالم وما خلفتاهما من دمار شامل وملايين من الضحايا الأبرياء والانتهاكات الخطيرة لقواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

 

تعريف الجرائم ضد الإنسانية:

ظهر بعد الحرب العالمية الأولى مصطلح "الجرائم التي ترتكب ضد القوانين الإنسانية "، وهو مصطلح ورد في ديباجة اتفاقية لاهاي لعام 1907م، التي نصت على أنه إلى حين صدور منظومة قانونية كاملة لقوانين الحرب فإن الدول المتعاقدة ترى الفرصة مناسبة لإعلان أن السكان والمتحاربين يظلون تحت حماية وسلطان قواعد ومبادئ قانون الأمم المؤسسة على ما هو مستقر بين الشعوب المتمدنة، وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام.

وبعد القتل الجماعي للأرمن على أيدي السلطة العثمانية عام 1915م ظهر صراحة تسمية مصطلح "جرائم ضد الإنسانية". 

وفي سنة 1945 نصت المادة 6/ج من ميثاق لندن على أن " جرائم ضد الإنسانية" هي القتل عمدا والنفي والاستعباد وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية التي ترتكب ضد السكان المدنيين قبل وأثناء الحرب، أو أي أحكام تبنى على أسس سياسية أو عنصرية أو دينية في تنفيذها، أو فيما يتعلق بأي جريمة داخل نطاق اختصاص المحكمة، سواء كونت أم لم تكون انتهاكات للقانون الوطني للدولة التي وقعت بها مثل هذه الجرائم والانتهاكات.

وقد ربطت المادة 6/ج الجرائم ضد الإنسانية بالحرب، أي بإعلان أو قيام الحرب، وفي عام 1993 تم تأكيد ما جاء في ميثاق لندن، وذلك عندما أصدر مجلس الأمن "النظام التشريعي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة". وفي هذا النظام تم الإبقاء على ربط الجرائم ضد الإنسانية بالصراع المسلح، بموجب المادة (5) التي تطلبت حدوث الجرائم ضد الإنسانية إبان الصراع المسلح الداخلي أو الخارجي، والاختلاف بين رابطة الحرب الواردة بالمادة 6/ج من ميثاق لندن، والواردة بالمادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا يتعلق بالصراع ذي الصبغة الداخلية.

وفي عام 1994 وضعت المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا في المادة (3) من نظامها الأساسي، مطلبا غير موجود في نظام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا، يقضي بأن الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية يجب أن تكون نتيجة ممارسات منهجية أو واسعة النطاق ولم تشترط أي ارتباط بالصراع المسلح.

وقد توسع تعريف الجريمة ضد الإنسانية وهو ما يعكس التطور السريع للقانون الدولي في المادة (1/7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 17 تموز 1998م، بحيث جاء تعريفها كالآتي: لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية”، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم،وهذه الأفعال هي ( هذه الأفعال تمثل صور جرائم ضد الإنسانية):

أ- القتل العمد: قتل المتهم شخصا أو أكثر، وأن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجَّه ضد سكان مدنيين، إضافة إلى أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءا من ذلك الهجوم.

ب- الإبادة: وتشمل فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام أو الدواء، بقصد هلاك جزء من السكان، وهو أن يقتل المتهم مع العلم والنية شخصا أو أكثر، بما في ذلك إجبار الضحايا على العيش في ظروف ستؤدي حتما إلى هلاك جزء من مجموعة من السكان، أو أن يكون التصرف قد ارتكب في سياق عملية القتل الجماعي لأفراد مجموعة من السكان المدنيين، أو كان جزءا من تلك العملية بشرط أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.

ت- الاسترقاق: وهو أن يمارس المتهم أيا من السلطات فيما يتصل بحق الملكية أو هذه السلطات جميعا على شخص أو أكثر من شخص، مثل شراء أو بيع أو إعارة أو مقايضة هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو أن يفرض عليهم حرمانا مماثلا من التمتع بالحرية،وأن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين...، بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل التجارة بالأشخاص ولاسيما الرقيق الأبيض - النساء - أو الأطفال- ولا يشترط لوقوع الجريمة ضد الإنسانية بهذا الفعل أن يكون الاسترقاق متعلقا بمجموعة من السكان تربطهم إحدى الروابط السابقة، إذ ترتكب هذه الجريمة بمجرد تكرار استرقاق مجموعة من الأشخاص المقيمين على أرض الدولة أو حتى خارجها طالما أن هذا السلوك تنفيذا لسياسة دولة أو منظمة أو برضى منها لأنه يعزز من تلك السياسة ويقويها.

ث- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان: وهو أن يرحل المتهم أو ينقل قسرا شخصا أو أكثر إلى دولة أخرى أو مكان آخر بالطرد أو بأي فعل قسري آخر لأسباب لا يقرها القانون الدولي وأن يكون الشخص أو الأشخاص المعنيون موجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي أبعدوا أو نقلوا منها على هذا النحو، كذلك أن يكون المتهم ملما بالظروف الواقعية التي تقررت على أساسها مشروعية هذا الوجود، أن يرتكب هذا التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين،وأن يعلم المتهم بأن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم.

 ج- السجن أو الحرمان الشديد: على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي. وهو أن يسجن المتهم شخصا أو أكثر أو يحرم شخصا أو أكثر حرمانا شديدا من الحرية البدنية بصورة أخرى، أن تصل جسامة التصرف إلى الحد الذي يشكل انتهاكا للقواعد الأساسية للقانون الدولي، أن يكون المتهم ملما بالظروف الواقعية التي تثبت جسامة التصرف.

ح- التعذيب: كأن يلحق المتهم ألما شديد أو معاناة شديدة سواء بدنيا أو نفسيا بشخص أو أكثر، وأن يكون هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص موجودين تحت إشراف المتهم أو سيطرته مثل تعذيب المحكوم عليهم أو المعتقلين في السجون.

خ- الاغتصاب والاستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.

د- اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة الثالثة ،أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيز المعاقبة عليها، و ذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، ويعني الاضطهاد حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا معتمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي،وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع وأن يكون ذلك الاستهداف على أسس سياسية أو عرقية أو وطنية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو تتعلق بنوع الجنس حسب ما عرف في الفقرة 3 من المادة 7 من النظام الأساسي أو أية أسس أخرى يعترف بها عالميا بأنها محظورة بموجب القانون الدولي، وأن يرتكب التصرف فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في الفقرة 1 من المادة 7 من النظام الأساسي أو بأية جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة.

ذ- الاختفاء القسري للأشخاص: وهو أن يقوم مرتكب الجريمة بإلقاء القبض على شخص أو أكثر أو احتجازه أو اختطافه من قبل دولة أو منظمة سياسية أو إذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة.

ر- جريمة الفصل العنصري: وهي أي أفعال لا إنسانية ترتكب في سياق نظام أساسه الاضطهاد المنهجي والسيطرة من جانب جماعات عرقية واحدة إزاء أي جماعة أو جماعات عرقية أخرى.

ز- الأفعال اللا إنسانية الأخرى: ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.

ولا بد من التنويه هنا حتى لا يحدث خلط في المفاهيم لدى القارئ، بأن جرائم الحرب تختلف عن جرائم ضد الإنسانية من حيث أن جرائم الحرب تقترف في حالات النزاع المسلح بين طرفين أو أكثر، أما الجرائم ضد الإنسانية فيمكن أن ترتكب في وقت النزاعات المسلحة أو دونها، وتكون منهجية ومنظمة في طابعها كقاعدة أساسية لاعتبارها جرائم ضد الإنسانية (مثلما جاء في تعريف الذي ذكرناه آنفا جاء في المادة (1/7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 17 تموز 1998م، وفي هذا الصدد تقول 'ميكائيلا فرولي' (Micaela Frulli) في دراسة قدمتها بعنوان Are Crimes against Humanity More Serious than War Crimes ?: "إذا كانت الطبيعة الواسعة النطاق أو المنهجية تميز الجرائم ضد الإنسانية، باعتبارها عوامل من الجدية، فانه بشكل تلقائي يتبع ذلك أن الوعي بوجود خطة شاملة أو نمط منهجي من العنف يعني أيضا العلم بأن اقتراف الجريمة موضوع البحث يتجاوز الحالة المعزولة و/ أو الضحية المعنية، ولذا فان سوء النية تختلف، ليس فقط في طبيعتها [ فهي أكثر تحديدا]، ولكن أيضا في جسامتها [ فهي أخطر]، فهي بالأساس ممارسة يقترفها بشكل منهجي ومنظم القائمون بالسلطة ضد أفراد مدنيين يقعون تحت سلطتهم، إما لظروف الاحتلال، أو لظروف التمييز في الدولة نفسها، حتى لو كانوا مواطني هذه الدولة". ويوضح 'د. محمود شريف بسيوني' أيضا هذا الأمر في كتابه المرجعي "الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان"، فيقول: " الجرائم ضد الإنسانية تعد امتدادا لذات النهج من الحماية التي تشمل [أية] فئة مدنية يتم التعدي عليها من قبل سلطة من سلطات الدولة، ولذا فانه لا يوجد خلاف بين القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي[...] فيما يتعلق بالأفراد محل الحماية [،] ولكن الاختلاف بينهما في أن الجرائم ضد الإنسانية تجرم الانتهاكات بغض النظر عما كانت مرتكبة أثناء نزاع مسلح أم لا [،] وبغض النظر عن نوعية الفئة محل الحماية، لأن جميع الفئات المدنية تخضع للحماية".

 

أركان الجرائم ضد الإنسانية:

و هذه الجريمة لا تتحقق إلا بتوافر أركانها الآتي ذكرها:

أ- الركن المادي للجرائم ضد الإنسانية:

مـن خـلال تحليل ـنص المـادة السـابعة مـن النظـام الأساسـي للمحكمـة الجنائيـة الدوليـة نـرى بأنـه يسـتلزم الـركن المـادي للجـرائم ضـد الإنسـانية القيـام بأعمـال الاعتـداء اللاإنسـاني الصـارخ الذي يمـس القـيم الجوهريـة للشـخص أو لمجموعـة مـن الأشـخاص كالقتـل العمـد الإبـادة الاسـترقاق الإبعـاد التعـذيب ...الـخ، و نلاحظ أن هـذه الجرائم تعاقب عليها القوانين الداخلية و كافة التشريعات.

وأفعال الركن المادي للجريمة يجب أن ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي وتجدر الإشارة إلا أن جسامة الفعل تعد شرطا أساسيا لقيام الركن المادي سواء كان واقعا على شخص معين أو مجموعة من الأشخاص، والقـانون الجنــائي الــدولي لا يعــرف جــرائم بغيــر الـركن المــادي وهــذا الأخيــر يمكــن أن يكــون ســلبي أم ايجابي.

السلوك الايجابي يشمل القيام بفعل يعاقب عليه القانون و يؤدي إلي قيام جريمـة والفعـل الايجـابي الذي يؤدي إلى الجريمة هو الصورة الغالبة في القانون فمثلا عندما جرم القانون إبادة الجنس فهو يمنع كل فعل أو سلوك يؤدي إلى قيام هذه الجريمة, ولا يقتصر فقـط القيـام بهـا بـل حتـى التهديـد باسـتخدامها ونلاحـظ أن القـانون الجنـائي الـدولي وسـع ليشـمل الأفعـال الماديـة والتحضـيرية عكـس القـانون الحنـائي الداخلي الذي أخذ بعدم تجريم الأعمال التحضيرية إلا ما استثنى منها.

ونصت المشاريع الدولية على هذا الاتجاه الذي يجرم الأعمال التحضيرية وهو مـا نصـت عليـه لائحة نورمبورغ في فقرتها الأولى من المادة السادسة التي نصت علـى مـا يلـي : أن كـل تـدبير أو تحضـير أو تخطيط لحرب اعتداء يعد جريمة.

أما السـلوك السـلبي فهـو الامتنـاع عـن القيـام بفعـل كعـدم الامتثـال للاتفاقيـات الدوليـة وهـو عبـارة عـن إحجـام الدولة عما يجب القيام به و امتناعها عن تنفيذ ما أمر به القانون ومن أمثلة السلوك السلبي نجد:

1- جريمـة إنكـار العدالـة: فـالعرف الـدولي ألـزم الـدول علـى ضـرورة تـأمين و تـوفير العدالـة بالنسـبة للمقيمـين على أرضها و إذا أنكرت هذا الحق تكون قد ارتكبت جريمة إنكار العدالة و أشارت علـى ذلـك اتفاقيـة لاهـاي 1907 الرابعة المادة 23 فقرة ج.

2-جريمة عدم التنسيق بين التشريع الوطني و الدولي: ويتجلى ذلك بوجوب اتخاذ إجراءات و التشريعات الضرورية لجعل القانون الوطني للدولة يتفق مع التزاماتها الدولية ومن أمثلة على ذلك معاهدة إبادة الجنس 1948 ونصت المادة 5 منها على ما يلي" يتعهد الأطـراف المتعاقـدين بـان يتخـذوا كـل طبقـا لدسـتوره التـدابير التشـريعية اللازمـة لضـمان تنفيـذ أحكــام هـذه الاتفاقيـة..." وتتكرر هذه الصورة في الكثيـر مـن المعاهدات والنص عليها يعتبر تأكيد لمبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي.

3- قيـام الجريمـة بمجـرد الامتنـاع: وفـي هـذه الحالـة الدولـة لا تقـوم لا بسـلوك ايجـابي ولا بسـلوك سـلبي ولكنها مع ذلك تقترف جرما فامتناعها عن القيام بعمل لو قامت به لما وقعت الجريمة، كالقتل عن طريق امتناعها لتقديم الطعام للأسير وإقامة الدليل على هذا الركن ميسور ويسهل إثباته لكون الجريمة تقترن بالوحشية كالقتل على دفعات وتتجلـى بصـورة أوضـح عنـد وقوعهـا علـى مجموعـة أو مجموعات بشرية، تقوم عقيدة سياسية أو دينية أو عنصرية واحدة بتنظيمها مثل ما ارتكبـه زعمـاء النازيـة.

ب- الركن المعنوي للجرائم ضد الإنسانية:

إن مجموعـة الأفعـال التـي ذكرتهـا المـادة السـابعة مـن نظـام رومـا الأساسـي جـاءت علـى سـبيل الحصـر لتكـون الـركن المـادي للجـرائم ضـد الإنسـانية ويلـزم لقيـام هـذه الجـرائم الـركن المعنوي المتمثـل فـي القصـد الجنـائي الـذي يسـتوجب العلـم والإرادة وأن يكـون الجـاني علـى درايـة بـأن مـا يقـوم بـه مـن أعمـال ومـا يقترفه من سلوك مجرم يعاقب عليه القانون ورغم هذا العلم أصر تحقيق النتيجة الإجرامية والانتهاكـات الجســيمة التـي وقعـت فـي اندونيســيا خـلال الحـرب العالميـة الثانيـة ضــد بعـض الأقليـات ولفيتنام بسبب خلاف حول العقيدة.

والركن المعنوي عبارة عن تلك العلاقة النفسية التي تربط بين ماديات الجريمة وشخصية الجاني على وجـوهر هـذا الـركن ينطـوي علـى اتجـاه نيـة أن تكـون الأفعـال القـائم بهـا محـلا للتجـريم حسـب القـانون الفاعل ولهذا سميت نية ارتكاب الفعل بأنها نيـة آثمـة وهـي قـوة نفسـية تقـوم علـى الإدراك لـدى الفـرد دليـل على نضجه العقلي وعدم معاناته من الإختلالات التي تؤثر على قواه العقلية، إضافة إلى أن الـركن المعنـوي هـو أسـاس المسـؤولية الجنائيـة فـإذا سـقط أحـد العنصـرين المتلازمـان والمتمـثلان فـي الإدراك والاختيار انتفى وجود الركن المعنوي وزالت الجريمة.

ت- الركن الشرعي للجرائم ضد الإنسانية:

الـركن الشـرعي فـي الجريمـة بصـفة عامـة هـو أن يكـون السـلوك المرتكـب مجرمـا ولكـن مصـدر التجـريم يختلف عما هو الحال في التشريعات الداخلية ففي هذه الأخيرة يكون الـنص مـدونا بينمـا فـي الجريمـة الدوليـة لا وجود لمثل هذا الشرط نظرا لعدم وجـود سـلطة تشـريعية مـن جهـة والطبيعـة العرفيـة لقواعـد القـانون الـدولي من جهة أخرى فيكفي لتجريم الفعل وجود قاعدة تجريمية دولية عرفية أو منصوص عليها في معاهدة دولية.

فلا جريمة و لا عقوبة إلا بنص وهـذا مبـدأ هـام فـي القـانون الجنـائي ونعنـي بهـذه العبـارة أنـه لا يمكـن اعتبار فعل ما يقترفه الفرد جريمـة إلا إذا وجـد نـص مكتـوب يقضـي علـى تجـريم ذلـك الفعـل ومعاقبـة مرتكبـه وعليه إذا تقيدنا بمضمون مبدأ المشروعية المنصوص عليه في التشريعات الداخلية نرى أنه لا مكان له على المستوى الدولي وهذا يعني تنكر القانون الدولي لمبدأ المشروعية.

ث- الركن الدولي للجرائم ضد الإنسانية:

إن الجريمة ضد الإنسانية هي جريمة دولية بطبيعتها لكون الحقوق التي تم الاعتداء عليها تمس البشرية ويكفي لتوفر الركن الدولي أن تكون الجريمة قد وقعت تنفيذا لخطة مرسـومة مـن جانـب الدولـة ضـد جماعـات تـربطهم ديانـة أو عقيـدة موحـدة وفـي هـذه الحالـة يمكـن أن يكـون الجـاني أو المجنـي عليـه مـن نفـس الجنسـية ومن رعايا نفس الدول.

والجـرائم ضـد الإنسـانية التـي ترتكـب بمناسـبة الحـرب لهـا نفـس الحكـم فـإذا تمـت بموجـب تـدبير مـن الدولة وتخطيط منها فهـي جريمـة دوليـة ومنـه مـثلا لا تعـد جريمـة الإبـادة الجـنس قائمـة إذا قـام بهـا أحـد مواطني الدولة دون علم وإذن دولته.

وتتميـز الجريمـة الدوليـة عـن الجريمـة الداخليـة بركنهـا الـدولي ويشـترط لتحقيـق الصـفة الدوليـة فـي الجريمة أن يكون الفعل أو الامتنـاع عـن الفعـل المـؤدى إليهـا يمـس مصـالح المجتمـع بأسـره ويهـدد السـلام العـالمي ويعطـي الـركن الـدولي للجريمـة بعـدا خاصـا إذ يجعلهـا تتسـم بـالخطورة وضـخامة النتـائج لـذا لـن تكون وحتى في ابسط صورها إلا جنايات وتعتبر جريمة دولية لكونها تتعدى مصالح يحميها القانون الدولي الجنائي وكذلك من حيـث اكتسـاب الفـرد للشخصـية القانونيــة لكـون الجريمـة ضــد الإنسـانية تمـس بــأول حـق مضـمون فــي الإعـلان العــالمي لحقـوق الإنسـان وهـو الحـق فـي الحيـاة ونسـتخلص أن الصـفة الدوليـة تتواجـد إذا كـان السـلوك الإجرامـي جسـيم وموجـه ضـد عـدد مـن السـكان والضـحايا وارتكابـه كـان علـى نطـاق واسـع ومشـكلا تهديـدا للآمـن الدولي وهذا ما أخذت به المحكمة الجنائية الدولية عنـد إضـفائها لصـفة الدوليـة علـى الأفعـال التـي تشـكل جرائم ضد الإنسانية وهو ما جعلها ذات اختصاص عالمي ولا يمكن أن يتـوفر الـركن الـدولي فـي حـالتين إذا وقعت من رعايا نفس الدولة أي من وطني على وطني أو جريمة الخيانة.

 

خصائص الجرائم ضد الإنسانية:

أ- عدم جواز الدفع بامتیازات الحصانة لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانیة:

أثبت الواقع الدولي بأن أغلبیة المتهمین بارتكاب الجرائم ضد الإنسانیة هم من الذین یشغلون مناصب مدنیة وعسكریة عالیة في البلاد، وبالتالي عندما یتعلق الأمر بمتابعتهم كانوا یستفیدون بمقتضى القانون الدولي التقلیدي من معاملة تفضیلیة تضعهم فوق القوانین وتحصنهم من المثول أمام المحاكم الجنائیة، ولكن الأمر لم یعد كذلك بعد نهایة الحرب العالمیة الثانیة والحركیة التي عرفها المجتمع الدولي في مجال قمع الجرائم الدولیة وتضییق الخناق على مرتكبیها.

ب- إقرار الاختصاص العالمي للعقاب في الجرائم ضد الإنسانیة:

إن إقرار لاختصاص العالمي للعقاب يهدف إلى الحيلولة من إفلات المجرمين من المتابعة على الصعيد الدولي بعد أن كانوا قد أفلتوا منه عن طر يق قوانين العفو الداخلية لبلادهم، فهذه الفكرة تطرح إشكالية ردع أو متابعة دول أجنبية لمرتكبي جرائم دولية أجنبية لم تقع على إقليمها على اعتبار أن هذه الجرائم تشكل انتهاكا مباشرا للنظام العام للدولة الأجنبية، وانتهاكا للنظام العام الدولي دون الأخذ بعين الاعتبار بمكان وقوع تلك الجرائم.

ت- استبعاد الحدود الزمنیة في الجرائم ضد الإنسانیة:

تعترف القوانین الجنائیة الوطنیة بمبدأ التقادم، فالجزائر مثلا وعلى غرار باقي الدول تأخذ بهذه القاعدة، ولعل أهم أسباب الاعتراف بهذا المبدأ إعطاء المتهم فرصة للعودة والانخراط بالمجتمع بشكل سلیم بعد مرور زمن محدد على ارتكاب الجریمة، إلا أّن طبیعة الخطورة التي تمیز الجرائم الدولیة عامة والجرائم ضد الإنسانیة خاصة دفعت إلى عدم تطبیق هذا المبدأ على صعید القانون الدولي الجنائي.

یتعین علینا التمییز أولا بین انقضاء الدعوى الجنائیة بالتقادم، وانقضاء العقوبة بالتقادم، إذ الأول یصیب حق الدولة في معاقبة الجاني، أما الثاني فیصیب حق الدولة في تنفیذ العقوبة.

ویقصد بتقادم الدعوى: مضي فترة من الزمن یحددها القانون تبدأ من تاریخ ارتكاب الجریمة، دون أن یتخذ خلالها إجراء من إجراءاتها، ویترتب على هذا التقادم انقضاء الدعوى، أما تقادم العقوبة فیقصد به مضي فترة من الزمن یحددها القانون من تاریخ صدور الحكم البات دون أن یتخذ خلالها إجراء لتنفیذ العقوبة التي قضي بها، وبالتالي یترتب على تقادم العقوبة انقضاء الالتزام بتنفیذ العقوبة مع بقاء حكم الإدانة قائما. 

بناءا علیه، يقصد بالتقادم في مجال الجرائم ضد الإنسانیة سقوط العقوبة والدعوى العمومیة بمضي مدة زمنیة محدد. ولقد ثارت مشكلة التقادم في مجال القانون الدولي الجنائي بالنسبة للجرائم ضد الإنسانیة بمناسبة قرار أصدرته السلطات الألمانیة الاتحادیة عام 1964 ، أي اعتبرت بمقتضاها: أن الجرائم المتقدمة قد سقطت بمضي 25 سنة على ارتكابها، وذلك بناء على قانونها الجنائي الذي یأخذ بقاعدة التقادم، بمعنى أخر سقوط الدعوى العمومیة بالنسبة لجمیع الأشخاص المذنبین بارتكاب الجرائم الدولیة والذین لم یقدموا بعد للمحاكمة.

وفقا لهذا القانون الذي یحث على عدم إمكانیة تنفیذ العقوبة المحكوم بها على مرتكبیها وعلى رأسهم "مارتن بورمان" المساعد الأول ل "هتلر" الذي حكم علیه بالإعدام، أثار موقف ألمانیا الاتحادیة استنكارا عالمیا، فتقدمت على إثره "بولندا" بمذكرة إلى الأمم المتحدة لتطلب من لجنتها القانونیة البث في هذه المسألة، فأجابت اللجنة القانونیة في 10/04/1965 بالإجماع بأن الجرائم الدولیة لا تتقادم.

العدید من التشریعات الوطنیة للدول نصت في قوانینها على هذه القاعدة، فنجد مثلا قانون 26/ 12/ 1946 الفرنسي الذي نص من خلاله المشرع الفرنسي على أن: "الجرائم ضد الإنسانیة غیر قابلة للتقادم بطبیعتها، فهذا القانون ینطبق على الجرائم ضد الإنسانیة مهما كان مكان وزمان ارتكابها".

كما نص قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1994 في المادة 213 الفقرة الخامسة على أن "الدعوى الجنائیة لا تتقادم". كما أن المادة 5 من مشروع لجنة القانون الدولي الخاص بتقنین الجنایات ضد سلام وأمن البشریة لسنة 1954 جاءت لتأكد على هذه القاعدة، فنصت على أنه: " تعتبر الجریمة المخلة بسلم البشریة وأمنها – بطبیعتها – غیر قابلة للتقادم".

أما بالنسبة لمواثیق المحاكم الجنائیة الدولیة فلم یتم الإشارة فیها إلى قاعدة عدم التقادم،: إلى أن جاء نظام روما الأساسي، أین نصت المادة 29 منه على ما یلي: " لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم، أیا كانت أحكامها"، إذا فقد أشار نظام روما الأساسي صراحة إلى قاعدة عدم تقادم الجرائم الدولیة أیا كانت أحكام هذا التقادم، وبالتالي یستفاد من عبارة (أیا كان أحكامها) أنه لن یكون بمقدور أي من الدول الأطراف وضع قید زمني لحمایة الشخص من العقاب.

وبالنسبة للجرائم ضد الإنسانیة، فإن عدم التقادم یخص الجرائم المرتكبة قبل إقرار هذا المبدأ في القانون الدولي أو القوانین الداخلیة، ویفسر ذلك من خلال اعتبار هذه الجرائم وخطورتها الشدیدة، مما یحتم ضرورة معاقبة مرتكبیها بغض النظر عن مكان أو زمان ارتكابها.

إذا إن وجود جرائم ضد الإنسانية كأحد أهم جرائم القانون الجنائي الدولي أصبح أمرا مستقرا علیه عبر مختلف الاتفاقيات والممارسات الدولیة، فبالرغم من الاتفاق على المعاییر التي یتحدد بها مفهومها، إلا أنه لم یتم التوصل إلى إیجاد تعریف موحد ودقیق لهذا النوع من الإجرام الدولي الخطیر، إذ تم إدراج الأفعال التي تشكل الجرائم ضد الإنسانیة على سبیل المثال ولیس الحصر، وهنا نستشهد بقول الأستاذ Serge Sur "سارج سور" بأن:" الجرائم ضد الإنسانیة غیر محددة بدقة تحدیدا یستند على مقاییس تعطي مكانة واسعة لاعتبارات لا إرادیة من جهة، وللطابع الضخم والمباشر لهذه الأفعال...وأنها تعریفات عامة تهدف إلى تغطیة افتراضات غیر متوقعة".

 

المصادر والمراجع:

المحكمة الجنائية الدولية أركان الجرائم، جامعة منيسوتا، مكتبة حقوق الإنسان

درعاوي داود، تقرير حول جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية: مسؤولية إسرائيل الدولية عن الجرائم خلال انتفاضة الأقصى، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، سلسلة التقارير القانونية (24)، رام الله، تموز 2011م

ديلمي لامياء، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير بعنوان: الجرائم ضد الإنسانية والمسؤولية الجنائية الدولية للفرد، كليـــة الحقـوق والعلوم السياسية، جـــامعـة مولــود معمـــري – تيــزي وزو، 10/07/2012

رضاونية رابح أشرف، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير بعنوان: الجريمة الدولية وضوابط أعمال اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، كلية الحقوق، جامعة منتوري قسنطينة، 2005-2006

ملعب كوثر، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير بعنوان: الجرائم ضد الإنسانية:دراسة نموذجية  للسودان وليبيا، جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية، 2013  

نظام روما الأساسي ألف - نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، 17 تموز 1998م

وليم نجيب نصار، مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، أبريل 2014، بيروت

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia